سيكولوجيا العنف ضد المرأة في المجتمعات الاسلامية


 

 

بعض المخلوقات تفترس لأنها خُلقت لأجل أن تفترس وتقعُ أحياناً في شرك ضحيتها ليتحول القاتل إلى مقتول , وكافة المخلوقات لا تفترس من أجل إثبات قوتها أو سلطتها فهي تقتل وتفترس لأنها تريدُ أن تأكل كما هو الحال في مجتمعات الأسود والقطط الصغيرة والكبيرة و(السناريات ) والأفاعي العاصرة , ما عدى الإنسان الذي يفترس ويقتل ليس من أجل سد جوعه بل من أجل إثبات أنه قوي ومتفوق على غيره , وكذلك ليشبع غريزته الثقافية , فالإنسان منذ الصغر يتدرب على أشياء تنمو معه ويريدُ أن يحققها , كما يحدث ذلك في المجتمعات العربية الإسلامية التي ينشأ فيها الفرد وهو يعتقد بأنه متفوق على المرأة في كل الميادين بيولوجياً وثقافياً ووراثياً وجينياً ,من هذا المنطلق تنطلق فرضية العنف ضد الإناث الصادر من مجتمع الإنسان وبالذات من الذكور الذين يمارسون سلطة العنف مع النساء من أجل إثبات أنهم أقوياء وأنهم رجال أشداء متميزون عن الإناث , وأن ميزة القوة وهبها الله الخالق للذكر ليبقى مميزا عن الأنثى بالقوة, وسمعتُ أكثر من مرة نساء يقلن لأزواجهن (أنت بتضربني على شان تثبت لأهلك إنك رجل) وهذه العبارة لم أسمعها من امرأة واحدة بل سمعتها من عدة نساء حتى أنها تصدر من أفواه الممثلات في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية بدون أي قصد ولكن لها في علم السلوك الإجرامي تحليل واضح وثابت وهو فعلاً الرجل يضرب المرأة من أجل تحقيق أسطورة الذكر المتفوق على الأنثى.


إن أسباب العنف ضد المرأة أو الضرب للمرأة واضحة وهي من أجل تحقيق عملية أسطورة التفوق الذكوري على الأنثوي وبذلك يحقق الذكر هذه الأسطورة وتصبح حقيقة واقعية حين يرى نفسه فعلاً متفوقاً على المرأة وأن الله خلقه منذ البداية متفوقاً وإنه كان دائما متفوقاً على المرأة من أيام أبيه وجده وجد جده, وتنتقل عملية العنف في كافة العائلات فيمارس الذكور العنف على المرأة من أجل تصديق مقولة شيخ الجامع من أن المرأة خلقها الله من ضلع أعوج ويجب ضربها حتى يستقيم ذلك الضلع الأعوج ويتوهم الذكور بأن الضلع أعوج والعقل أعوج والقلب أعوج وأن المرأة عوجاء والرجل هو المستقيم الشرياني العصبي الهُلامي الوحيد , ويتسلط الاطفال الذكور على شقيقاتهم بالضرب المبرح من أجل اثبات رجولتهم ويفتخر الأهل بذلك وخصوصاً الأمهات بأن الذكور ما أولادهن غيورين وحمشين وبغاروا على عرضهم وهذا مظهر من مظاهر الرجولة اعتاد عليه الناس, وحين يعارضها الذكر في الرأي والمشورة تصبح لديه قناعات حقيقية من أن المرأة فعلاً مخلوق دنيء وخسيس أقل منه في سلم النشوء من ناحية الكم والكيف والجينات الثقافية والبيولوجية , وبالتالي لا يمكن أن يصدق ولا يمكن أن يقبل بأن المرأة مخلوق متفوق عليه أو مساوي له في الوزن والاتجاه والكثافة والضغط الجوي.

هنا من المحتمل بل الأكيد ما شاهدته أنا بعيني على أرض الواقع من أن الرجل يضرب المرأة من أجل أن يثبت رجولته , ويتسلط عليها ليثبت للجميع أنه رجل , حتى الجنس يمارسه الرجل مع المرأة من أجل إثبات رجولته وفحولته , ويمارس القوي السلطة من أجل الإحساس بقوته , فالضعيف لا يمارس القوة على من هو أقوى منه لأنه سيتعرض للفشل , وحتى يثبت الرجل أنه رجل وغير فاشل يمارس قوته وجبروته على الأنثى , ويخترق الذكور بكارة الإناث ليس من أجل الشهوة الجنسية فهذا الموضوع مغلوط وإنما من أجل إثبات قوته وفحولته وقدرته , وبالتالي فالعنف ضد المرأة سلوك نفسي عُصابي ورهابي, يثبت الرجل من خلاله أنه رجل قوي والمرأة امرأة ضعيفة.

والعنف الممارس ضد المرأة سواء أكان من أجل طاعة الزوج أو من أجل طاعة الله كل تلك الأمور تنبع من مسألة واضحة وهي هيمنة ثقافة أو أسطورة التفوق ألذكوري على الأنثوي والتي شكلت لدى الذكور جيناً ثقافياً من الصعب محوه أو نسيانه بين يوم وليلة وإزالة آثاره الظاهرة إلا من خلال تغيير جذري في أنماط التعليم والتربية وإصلاح المؤسسات الدينية التي تدعم أسطورة التفوق.


الرجال في كافة أنحاء العالم يمارسون العنف ضد المرأة والأطفال , وليس الإسلام وحده من يمارس ذلك , وكل ذلك بسبب الثقافات البرجوازية الذكورية القديمة الأبوية المتسلطة , وقد زالت تلك الثقافات مع زوال الإقطاع والعقليات الأبوية التسلطية , حين حصل الإنسان على حقوق مدنية جديدة انتهت على أثرها المزاولات القديمة التي كانت مُشرعنة بسبب دعم الأنظمة الحاكمة لها , وقد تخلت معظم شعوب العالم عن العنف ضد المرأة والأطفال واختلفت طرق التعامل من خلال تغيير الثقافة التي كانت تشكلُ درعاً واقياً للذين يمارسون العنف ضد المرأة , واليوم الإسلام جزء من هذا العالم الكبير الذي اجتاحته التغييرات وعليه أن يقوم هو أيضاً بالتغيير من خلال كشف الدرع الواقي الذي يشكل أرضية صلبة ومشرنعة لاستعماله العنف ضد المرأة , ولقد سمعت وما زلتُ أسمع من رجال كبار في السن يقولون : كلنا بنضرب نسوانا ولا فيش زلمه إلا بضرب مرته , وهذا فعلاً حقيقة مؤكدة فلا يوجد امرأة إلا وتعرضت للضرب وللإهانة وخصوصا حين نسمع من بعض الناس أن بعض الرجال يضرب زوجته من أجل إجبارها على ممارسة الجنس مع المعارف والأصدقاء لأجل إتمام صفقات تجارية واجتماعية رمزية, وعلى فكرة لا يوجد رجل يضرب زوجته من أجل الصلاة أو الصيام , يعني أنا ما سمعت في حياتي ولا رأيتُ رجلاً يضربُ زوجته من أجل أن تؤدي صلاة الفجر في جماعة أو من أجل أن تصوم رمضان إن كانت تفطرُ عامدة متعمدة , وإنما الضربُ وأسبابه من أجل أشياء تافهة وقضايا عادية لا تستوجب الضرب ولا العقوبات الجزائية .
وتنطلق نظرية العنف ضد المرأة في المجتمع العربي الإسلامي من منطلقات تختلف عن تلك الموجودة في غير المجتمعات الإسلامية , وذلك على اعتبار أن ثقافة العنف ضد المرأة والأطفال موجودة عند كل المجتمعات ولكنه متباينة في درجاتها ودوافعها وفي مجتمعنا الإسلامي الدين الإسلامي يكون هو الأساس الذي تنطلقُ منه الرصاصة الأولى على المرأة باعتبارها كائن أقل في سلم النشوء الطبيعي من الرجل وذلك من نقطة إحساس الذكر بتفوقه البيولوجي على الأنثى , وهذه السيكولوجيات تتصل بطبيعة نشأة الذكر وتربيته الدينية والإسلامية من منطلق إحساسه أو قل من منطلق إحساس المسلم من أن المرأة مخلوقة من ضلع الرجل ألأعوج , وبهذا تتكون لدى الذكر ثقافة التفوق البيولوجي العقلي على الأنثى , وتتراكم لديه معتقدات أخرى لتصبح تلك المعتقدات خبرات سلوكية من أنه من الواجب عليه أن يُقوّمَ هذا الاعوجاج بيده وبسيفه وببندقيته وبلسانه وبكل أسلحته البيضاء والحمراء والعسلية والبرتقالية اللون .


إن المسلم منذ صغره يُدربه رب الأسرة على مظاهر الرجولة والفحولة ويزرع في ذهنية الطفل أسطورة التفوق ألذكوري على الأنوثي , ومن ثم تكتملُ المصيبة في المدرسة حين يتعلم أن الله خلق المرأة من الرجل وهنا الآية معكوسة أو مقلوبة رأساً على عقب ذلك أن الأصل في الخلق هو أن الرجل مخلوق من الأنثى وإن لم يكن كذلك فإن الرجل والمرأة متزامنان معاً في مرحلة الخلق , وكذلك يبدأ الطالب في المدرسة بالتعرف على ثقافته الدينية التي تعلمه أن المرأة غير مساوية للرجل لا في الحقوق ولا في الواجبات , وحين يخرج الطالب من المدرسة يصحبه أبوه معه إلى شيخ الجامع الذي يلقي على مسامع الطفل دروس وعبر يتعلم منها الطالب الطفل بأن المرأة أقل من الرجل وإنها ناقصة عقلاًَ وديناً , وتكتمل المصيبة حين يبدأ الطفل بالنضوج والزواج فيضرب زوجته ويعاقبها ويتزوج عليها فتصبح ثقافة العنف ضد المرأة متأصلة في المجتمع العربي الإسلامي وكل ذلك بسبب الثقافة الدينية .

إن الذكر في هذه الحالة مع تراكم السنين يدرك إدراكاً خاطئاً أنه عنصر متفوق على شقيقاته ومن الواجب عليهن إطاعة هذا المتفوق بيولوجياً وعقليا , وعلى حسب الحديث النبوي الشريف : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته , ولم ترد هنا الإشارة للمرأة بأنها راعية لذلك يبقى الانطباع العام عن المرأة أنها مخلوق ضعيف ورعية مثلها في البيت مثل النعاج التي يسوقها الراعي بعصاه , لذلك فسيكولوجيا العنف ضد المرأة والأطفال تنبع من طبيعة النشأة الدينية الإسلامية التي تعطي الذكر إحساسا من أنه شخصية متميزة عن المرأة بيولوجياً وعقلياً لقوله صلى الله عليه وسلم : النساء ناقصات عقل ودين , فهذا الحديث يُعطي للرجل إشعارا بعبور دائرة العنف مع المرأة فيبدأ بحجبها عن كل الميادين ويعلن نفسه وصياً حتى على أمه حين يغيب رب الأسرة الحقيقي , وهذا الحديث يبقى الرجل من خلاله مؤمناً بتفوقه البيولوجي على المرأة لذلك تزداد مساعي الذكور لسحق الإناث في البيت العائلي وهن شقيقات وفي بيت الزوجية وهن زوجات , وكذلك الحديث النبوي الشريف الآخر الذي يبيح هجر النساء في المضاجع وضربهن إذا كُن نشاز , في نفس الوقت الذي لا تستطيعُ فيه المرأة ضرب الرجل النشاز بسبب تفوق الرجل البيولوجي, وهذا الضرب للمرأة ينبعُ من إحساس الذكر بأنه عنصر بيولوجي متميز عن المرأة .

وكافة التشريعات الإسلامية تعطي جواز عبور للعنف ضد المرأة الأديان الأخرى , فالرجل في الإسلام يشعرُ أيضاً أنه متميز عن المرأة في الميراث فهو يرث ضعفها لذلك تزداد رغبة الذكر بظلم المرأة في الفراش وضربها وكذلك ظلمها في الميراث , وهنالك مسألة أكثر خطورة وهي إحساس الذكر في المحاكم الشرعية بأن شهادته تعدل شهادة امرأتين وبالتالي يبقى التمايز موجوداً بين الرجل وبين المرأة بين الذكورة وبين الأنوثة , وتبقى دوامة العنف مفتوحة على مصراعيها بين إحساس الرجل أنه السيد والمرأة هي العبد الخانع من خلال تعليمه وتدريبه طوال حياته أن له القوامة على المرأة على حسب الحديث النبوي الشريف القائل : الرجالُ قوامون على النساء.
من هنا ومن هذا المنطلق يجب إعادة تعديل منهاج التربية والتعليم في كافة الدول القمعية أي العربية ويجب إعادة النظر في قصة أسطورة التفوق ألذكوري على الأنثوي وتميزه.

 

جهاد علاونه 



Your E-mail and More On-the-Go. Get Windows Live Hotmail Free. Sign up now.