دانات : أرض - أرض

الدانة الأولى : كتبت منذ سنتين أقول أن تصرفات القيادة الإيرانية تشبه من يقف و يصرخ بأعلى صوته : "يا من تريدون ضربي هاأنذا أعد المسرح لكم لتوجيه الضربة لإيران و لمقدراتها و لمؤسستها العسكرية". و يبدو أن المرشد الأعلى بمباركته لإعادة إنتخاب أحمدي نجاد قد أراد لهذا المشهد التراجيدي أن يكتمل. و بينما يستبعد معظم المراقبين توجيه ضربة عسكرية لإيران، فإن كاتب هذه السطور يظن (على أساس من الحسابات العقلية البحتة للمشهد العام للشرق الأوسط) أن الضربة (أي الضربة العسكرية لإيران) آتية ليس فقط خلال العام الجديد (2010) بل و أغلب الظن قبل أن ينتصف هذا العام.

الدانة الثانية : الدكتور نصر حامد أبو زيد (باعتراف كبريات الجامعات العالمية و من ضمنها جامعة أوتريخت الهولندية العريقة التي هو أستاذ بها) هو واحد من أكبر الأكاديميين المتخصصين في الدراسات الإسلامية في عالمنا اليوم. و من حق كل إنسان أن يقبل بنظريات هذا الأكاديمي الكبير أو أن يرفضها جملةً و تفصيلاً ، أو أن يكون بين بين، أي يقبل و يرفض. و لكن أن يصل الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى الكويت يوم 15 ديسمبر 2009 وتقوم الساطات الكويتية ممثلة في أمن الدولة بمنعه من دخول الكويت و ترحيله إلى القاهرة إنما هو أمر بالغ الدلالات السلبية. السلطات الكويتية بدلاً من منحه تأشيرة دخول الكويت كان يمكن أن ترفض منحه التأشيرة (رغم كونه عملاً شائناً). و لكن عوضاً عن ذلك عاملته السلطات الكويتية أسوأ المعاملة حين ألغت عشر ساعات من حياته، بل ملأتها بالإهانات و الإساءات. لقد انتهى عهد المنع السياسي و المصادرات إلا المنع بالقانون و القضاء. إن ما فعلته السلطات الكويتية هو قرار يهين و يدين و يشين من أصصدروه ومن حضوا عليه. ولا يملك المرء إلا أن يتساءل : ما هو ذلك الشىء الذي تخاف عليه الساطات الكويتية و تظن أن محاضرة واحدة للدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تهدمه و تحطمه؟ هل الخصوصيات الثقافية التي يظن التصرف المعيب للسلطات الكويتية أنه يحميها هي خصائص ضعيفة و واهنة و بلا جذور لدرجة أن محاضرة واحدة من الدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تقضي عليها و تمحوها؟ لقد شعر مثقفون كويتيون كثيرون بالعار من هذا التصرف و هم محقون. و قد قام هؤلاء المثقفون الكويتيون بعمل ما يلزم من ترتيبات مكنت الدكتور نصر حامد أبو زيد من إلقاء محاضرته القيمة عبر التليفون للجمهور الذي كان من المفروض أن يحضر المحاضرة و بالفعل قام الدكتور نصر بإلقاء محاضرته و لم يكن للتصرف الكويتي الرسمي الممجوج من أثر إلا الشعور المهين الذي حاولوا أن يلحقوه بالدكتور نصر فحاق بهم هم. إن كل من يعرف الشأن الكويتي يعلم لماذا قامت الساطات بهذا السلوك المعيب. و أعني مغازلة التيار الأصولي في مجلس الأمة و هو تيار يصر على تدمير الدولة المدنية في الكويت و الرجوع بها للظلام الدامس للقرون الوسطى.

الدانة الثالثة : منذ أقل من سنة كان بعض العقلاء يقولون أن ما كانت الجماعات الفلسطينية المقاتلة تفعله من إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية كان غلطة كبري. و بصرف النظر عن صواب أو عدم صواب هذا الرأي ، فإن الشواهد اليوم تدل على ما يلي: كانت حماس و الفصائل يطلقون الصواريخ على أراض إسرائيلية، و لم يقبلوا بالنصح المسدى من البعض بأن عواقب ذلك خطيرة. بعد ذلك قامت إسرائيل في ديسمبر 2008 بحملتها على غزة. و خلال معظم الشهور الماضية (أي بعد الحملة على غزة) إلتزمت حماس و الفصائل بعدم إطلاق و لو صاروخ واحد على إسرائيل. و يبقى السؤال: لماذا لم تستمع حماس و الفصائل للناصحين العرب بعدم إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية قبل عملية الهجوم على غزة؟ و هل كان من اللازم أن يقع ما وقع لكي تعقل حماس و الفصائل حقائق موازين القوى؟ و لماذا لا يتعلم أحد من هذا الخطأ الجسيم في الحسابات و ما أدى إليه من إزهاق أكثر من ألف روح إنسانية و تدمير معظم البنية الأساسية في قطاع غزة؟ و هل يمكن غفران ذنب أولئك الذين أصروا على إطلاق الصواريخ ثم توقفوا بسبب هول الضربة الإسرائيلئة؟

الدانة الرابعة: ليس من مبادىء إقتصاد السوق أن يتولى التجار و رجال الأعمال أعلى المناصب التنفيذية أي مناصب الوزراء. بل إن ذلك هو تدمير لكثير من مبادىء إقتصاد السوق و علوم الإدارة الحديثة و قواعد الشفافية و مبادىء عدم تعارض المصالح . فبينما ينبغي على المجتمع إتاحة أفضل الفرص الإستثمارية و شروط العمل و بيئة العمل أمام رجال الأعمال ليساهموا في تحقيق الوفرة الإقتصادية الحتمية للسلام الإجتماعي ، فإن على المجتمع أن يعهد بالمسؤلية التنفيذية لكادر بشري آخر يكون الرقيب على طبقة رجال الأعمال و الساهر على عدم إختلاط المصالح و التيقن من سلامة السياسات و الإجراءات و شفافيتهما. و من المعروف لكل خبير في علوم الإدارة الحديثة أن أعظم رجال الأعمال لا يمكن أن يكون مؤهلاً للمنصب الوزاري، إذ أن كل مؤهلاته تتعلق بالربحية ليس إلا. و إذا كانت الربحية هي يضاً من أهداف الوزراء، إلا إنها ليست إلا مجرد هدف واحد من أهداف عديدة تتعلق بسلامة المجتمع سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و من نافلة القول أن أكرر أن ظروف حياة أي رجل أعمال في الكون تجعل الإحتمال الأكبر (و ليس المحتم) أن يتضائل عنده الشعور بالطبقات الأدنى في المجتمع و معاناتها و مشكلاتها. و لا ينقض ذلك القول وجود رجل مثل بيل جيتس، فليس كل و لا نصف و لا ربع و لا عشر رجال الأعمال في العالم كله مثل بيل جيتس. لقد سمعت بأذني من عشرات الوزراء الذين أتوا من عالم رجال الأعمال ذات الكلمات : "إن المصريين كسالى و لا يحبون العمل و يعرفون الحقوق و لا يعرفون الواجبات". و الذي لا يعرفه هؤلاء أنه حتى (بالفرض الجدلي) لو كان ما يقولونه صحيحاً، فإن الحكومات المتعاقبة هي المسؤلة عن وصول الناس لتلك الحالة السلبية. و أضيف أن معظم رجال الأعمال في مجتمعنا يرون أن من الواجب إلغاء الدعم و مجانبة التعليم و ضرورة أن يسدد الناس الثمن الحقيقي لكل السلع و الخدمات. و هي مقولة قد تكون صحيحة بشكل نظري. و لكن في واقعنا المصري هي مقولة تعبر عن إجرام و توحش المؤمن بها. فالمصريون خضعوا لعقد إجتماعي في الستينيات لا يمكن تفكيكه على حسابهم. و في إعتقادي أن تفكيك هذا العقد الإجتماعي الستينياتي يجب أن يبدأ بتوفير ملايين فرص العمل لأبناء و بنات مصر و بمرتبات تناسب مستويات الأسعار قبل أن نبدأ في الحديث عن تسديد مصاريف للتعليم و تعديل في قوانين الإيجارات و إلغاء للدعم. و لما كانت حكومات مصر (ومنها الحكومة الحالية المحتشدة بالتجار ) قد فشلت فشلاً ذريعاً (بسبب البيروقراطية و لفساد و مركزية القرار وضعف التكوين المعرفي والثقافي والإداري لمعظم الوزراء المصريين) في جلب استثمارات عالمية بالحد الأدنى المطلوب (ما لا يقل عن 25 مليار دولار أمريكي سنوياً) فإن عليها أن تغلق فمها و تسكت هي و وزراءها الأثرياء عن الحديث عن إلغاء الدعم و الأسعار الحقيقية للسلع و الخدمات.

الدانة الخامسة : الدكتور محمد البرادعي مارس آليات الإدارة الحديثة على نطاق واسع وعلى أعلى مستويات لأكثر من عشر سنوات... و كان الدكتور البرادعي في نفس الوقت منغمساً في أعمال على أعلى مستوى من المنظور الإستراتيجي... و الرجل حاصل على أعلى شهادة في الكون في القانون الدولي... كما أنه أحد المصريين الأربعة الذين منحوا جائزة نوبل (مع السادات و نجيب محفوظ و أحمد زويل). و منذ فترة وجيزة إستقبله رئيس الجمهورية و منحه أعلى وسام مصري (قلادة النيل) و التي تفرض على الدولة عند وفاة الممنوحة الجائزة له أن يوضع جثمانه على عربة مدفع و تشييع جنازته عسكرياً. كل ذلك لم يشفع لإبن مصر المتألق الدكتور محمد البرادعي عند رجال هم من أصحاب المراكز الكبيرة و لكنهم في ذات الوقت من أصحاب العقول و النفوس الصغيرة لأبعد حدود الصغار. فعندما انتشرت أخبار عن إحتمال أن يرشح الدكتور محمد البرادعي نفسه لمنصب رئيس الجمهورية في الإنتخابات المنتظرة في شهر أكتوبر 2011 ، إنهال عليه هؤلاء الصغار بالقدح و المعايرة و التجريح. و من المضحك المبكي أن يُتهم الرجل بأنه غير مؤهل. و لا شك أن أية مقارنة بين الكتور البرادعي وأي حاكم مصري (خلال المائة سنة الأخيرة) بحالته التى كان عليها يوم وصوله لموقع القيادة ستكون نتيجتها لصالح الدكتور البرادعي الذي لا شك عندي أنه (بالمقارنة بهؤلاء في تلك التواريخ) هو الأكثر علماً و ثقافةً و تجربةً و خبرةً و قدرات إدارية. و لا شك عندي أيضاً أنه أفضل من أي شخص قد ترشحه الأحزاب المصرية فى سنة 2011 لمنصب الرئاسة بعد سنتين. و بحكم خبرتي الإدارية من موقع قيادة عالمية، فإن بوسعي أن أجزم أن كل من تصدر بالهجوم على الدكتور البرادعي و تجريحه ليس فقط مخطئاً و إنما بشكل مطلق غير مؤهل للحكم على الدكتور البرادعي و لا يوجد بينهم من يعرف "ألف باء" علوم الإدارة الحديثة و آلياتها التي يجب توفرها في منصب دولي و إداري رفيع كالذي شغله الدكتور البرادعي لفترتين مدة كل منها ست سنوات. لقد جعل هؤلاء الذين تسابقوا في الهجوم على الدكتور البرادعي أنفسهم أضحوكة معظم المصريين و العالم. فقد انطلقوا في وقتٍ واحد و بروح سوداء واحدة يجرحون تلك الشخصية التي افتخرت بها مصر منذ وقت غير بعيد و منحته أعلى وسام من أوسمتها. و الحق أقول أنها فضيحة مدوية و عار مزري في حق تلك الجوقة من أصحاب النفوس الصغيرة و بنفس القدر أولئك الذين أطلقوهم على الدكتور البرادعي، فما زاده الهجوم والتجريح إلا محبة من الناس و تقديراً .

الدانة السادسة: من أكثر ما يضحكني أن أسمع من يردد أن الثقافة العربية و الإسلامية أنصفت بل و أكرمت المرأة. فالثقافة العربية الإسلامية توقفت في نظرها المرأة تاريخياً عند القرن السابع و جغرافياً عند الصحراء العربية التي تشيع فيها سوسيولوجيا البدو الرحل. مجتمعاتنا لا تزال بعيدة عن أن تغرس في عقول و ضمائر و نفوس أبنائها و نسائها أن المرأة هي (على الأقل) مساوية للرجل. إن مليون رجل عادي لا يعادلون إمرأة متميزة مثل مدام كورى ، أول إنسان حصل على جائزة نوبل في العلوم لأكثر من مرة. إن الدراسات العلمية المعاصرة تتحدث عن الكثير من الفوارق البيولوجية، و كلها فوارق لصالح المرأة. طالعت منذ أيام دراسة طبية أصدرتها واحدة من أهم المعاهد الطبية فى العالم عن معدلات التخلف العقلي بين الرجال و النساء و هي معدلات تبلغ عند الرجل ضعفها عند المرأة. لقد كنت و لا أزال أحلم ببرامج تعليم تقول لأبناء و بنات المجتمع أن المرأة هي نصف المجتمع من الناحية العددية فقط أما من ناحية القيمة فهي أكثر بكثير، إذ أنها أم النصف الآخر. و من أكثر ما يثير غضبي أن يؤمن إنسان بارتفاع مكانة الرجل عن المرأة رغم ما يعنيه ذلك القول (السخيف والغبي والرجعي والنابع من رحم ضعف ثقة القائل به فى نفسه) في حق أمه و زوجته و أخته و إبنته.

الدانة السابعة: الدكتور محمد عمارة مصرّ على تخريب العلاقة بين مسيحيي مصر و مسلميها. فقد أصدر مؤخراً كتاباً يحمل من السموم ما لا يمكن القبول به أو السكوت عنه. و قد أحسنت الدولة عندما رفعت هذا الكتاب من التداول لا سيما وأنه من إصدارات الأزهر. كيف يسمح الأزهر بنشر كتاب مسموم كهذا؟ و كيف تفتح الأهرام صفحاتها لكاتب يصر على تفجير النسيج الإجتماعي المصري؟ و ما هي قيمة المادة التي يكتبها في الأهرام هو و زميله (في ترويج فكر الظلام) الدكتور زغلول النجار الذي يكتب مادة لا علاقة لها بالفكر أو العلم.


كتب يوم 18 ديسمبر 2009

 

طارق حجي
tarekheggy@gmail.com



Windows 7: Make your own home movies. Learn more.