حول الأصولية الإسلامية

حول الأصولية الإسلامية
مقدمة لكتاب (النبي والبروليتاريا) للكاتب كرس هارمان
ترجمة : علاء هاشم*
لقد سيطرت الحركات الإسلامية على سياسة الشرق الأوسط وما ورائه ، على الأقل منذ الثورة الإيرانية 1978- 1979. حيث وصفت الأوساط الغربية هذه الحركات بأشكال عدة منها (الأصولية الإسلامية)،(الإسلاموية)،(الإسلام السياسي)، و(إحياء الإسلام)، وتأخذ هذه الحركات على عاتقها تجديد (إعادة صياغة) المجتمع من خلال العودة به لأصول تعاليم النبي محمد. وقد أصبحت هذه (الحركات) قوة رئيسية في إيران والسودان (حيث أنها لا تزال تمسك بزمام السلطة) وفي مصر والجزائر وطاجاكستان (كانت متورطة في صراعات مسلحة مريرة ضد الدولة) وفي أفغانستان (تشن الحركات الإسلامية المتنافسة حربا على بعضها البعض منذ انهيار الموالين للحكومة الروسية) وفي الضفة الغربية المحتلة (صراعهم منظمة التحرير الفلسطينية القديمة في المقاومة الفلسطينية) وفي باكستان ( تشكل الجماعات جزء مهما من المعارضة) وآخرها في تركيا (سيطر حزب Welfare على اسطنبول وأنقرة والعديد من المناطق الأخرى).
لقد كان نمو هذه الحركات الإسلامية بمثابة صدمة هائلة للأنتلجنسيا الليبرالية حيث أنتجت موجة من الذعر بين الناس الذين اعتقدوا أن التحديث الذي يأتي عشية انتصار النضالات المناهضة للكولنيالية في الخمسينيات والستينيات، كان سيؤدي حتما لمجتمع أكثر تنويرا واقل قمعا ودكتاتورية. وبدلا عن ذلك ، فقد شهدت هذه المجتمعات نموا وازديادا للقوى التي من الواضح أنها تتراجع إلى مجتمع أكثر تقييدا وتعصبا ، مجتمع يرغم المرأة على ارتداء (النقاب) ويستخدم الإرهاب لتحطيم الفكر الحر، ويهدد بأكثر العقوبات بربرية أولئك الذين يدافعون عن مراسيمه. في بلدان مثل مصر والجزائر فأن الليبراليين يقفون الآن بجانب الدولة، التي اضطهدتهم وزجت بهم في السجون في الماضي، في شنها الحرب ضد الأحزاب الإسلامية. لكن لم يكن الليبراليون وحدهم الذين وجدوا أنفسهم يرزحون تحت وطأة فوضى نمو الإسلاموية، بل كذلك الأمر بالنسبة لقوى اليسار، الذي لم يكن يعرف كيف يكون ردة فعل على ما يعتبره (عقيدة ظلامية)، تساندها على نحو تقليدي قوى رجعية، مبتهجة بنجاحها بين أوساط بعض أكثر المجاميع فقرا في المجتمع. ويسفر هذا عن طريقتين للفهم متناقضتين. الأولى، هي رؤية الإسلاموية كتجسيد رجعي، وشكل من أشكال الفاشية. كان هذا،على سبيل المثال، الموقف الذي اتخذه مباشرة بعد الثورة الإيرانية الأكاديمي اليساري الموجود آنذاك فريد هاليدي الذي أشار إلى النظام الإيراني بأنه "إسلام ذو وجه فاشي". هذه فكرة تبناها معظم اليسار الإيراني بعد توحيد ودمج النظام الخميني عام1981—1982. وقد قبل هذا الموقف من قبل العديد من اليساريين في مصر والجزائر اليوم. وعليه، وعلى سبيل المثال، فإن مجموعة ماركسية ثورية جزائرية قد برهنت بأن المبادئ والأيديولوجية والعمل السياسي للإسلاميين هي ذاتها الموجودة عند الجبهة الوطنية في فرنسا، بعبارة أخرى انه "تيار فاشي". مثل هذا التحليل يؤدي بنا، بسهولة، للاستنتاج العملي ببناء تحالفات سياسية لإيقاف المد الفاشي بأي ثمن كان. وهكذا فأن هاليدي استنتج أن اليسار في إيران قد ارتكب خطأ بعدم تحالفه مع البرجوازية الليبرالية" عام 1979—1981 في مواجهة "سياسات وأفكار الثورة الرجعية." وفي مصر اليوم ،فإن اليسار، المتأثر بالعرف الشيوعي السائد، يدعم الدولة بقوة في شنها الحرب ضد الإسلامويين. أما الفكرة أو التصور الثاني فهو فهم الحركات الإسلامية عند المظلومين على أنها حركات تقدمية مناهضة للإمبريالية. كان هذا الموقف الذي اتخذته الغالبية العظمى من اليسار الإيراني في مرحلة من مراحل ثورة 1979، عندما أثر السوفيت بحزب تودة، وإن غالبية تنظيم الفدائيين والدواغر والمجاهدين من اليسار الإسلامي قد شخصوا جميعا القوى وراء النظام الايراني "كبرجوازية صغيرة تقدمية". كان استنتاج هذه الفكرة هو أن الخميني استحق فعليا دعما ضعيف التمييز، فقبل ربع قرن من هذا الوقت، اتخذ الشيوعيون المصريون الموقف ذاته إزاء أخوان المسلمين داعين إياهم للانضمام في نضال مشترك ضد دكتاتورية جمال عبد الناصر الفاشية ودعمه الأنكلو—أمريكاني.
أريد أن أؤكد بأن كلا الموقفين خاطئين، فهما يفشلان في تحديد الشخصية الطبقية للإسلام الحديث أو رؤية علاقته بالرأسمالية والدولة والامبريالية.

The prophet and the proletariat
London—1994


*كاتب ومترجم عراقي



Windows 7: It helps you do more. Explore Windows 7.