وانكشفت جميع العورات

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com


تدور اليوم معارك طاحنة وجدل عنيف حول شرعية وأخلاقية وقانونية أجهزة "كشف ما تحت العورات" التي ستنصب في كافة المطارات والموانئ الغربية، ولا سيما من قبل أولئك المأخوذين بفقه العورات، والتي لا يشغل بالهم سوى العورة على الدوام.

ومن نافل القول، بداية، أنه من حق الولايات المتحدة أن تتخذ كافة الإجراءات التي تحول دون وقوع المزيد من العمليات الإرهابية على أراضيها، ومهما اتخذت تلك الإجراءات من آليات قد تبدو للبعض غير لائقة، فموت بريء واحد، أهم من تلك الإجراءات التي تزعج البعض والذي كان السبب الرئيس وراء تفشي هذا الطاعون الظلامي الأسود. فمن يبحث عن العفة، والشرف، وعدم انتهاك الخصوصيات، واحترام الذات، يجب عليه أولاً الالتزام بهذه المبادئ والقيم قبل أن يطلبها من الآخرين. ومن ينتهك خصوصيات الناس وحياتهم ويتدخل في شاردها وواردها، ويفرض وصاية على العقل والجسد ولا يرى الحياة إلا من منظور العورة، لا يحق له البتة الاعتراض على الإجراءات الأمريكية التي تأتي قي سياقات أمنية وقانونية بحتة غايتها حماية أرواح الآخرين من نفس هؤلاء الذين يتباكون على العورات المكشوفة والمسفوحة أمام أعين "الغرباء"..

فالإرهابيون والقتلة لم يتركوا وسيلة إلا واستنبطوها في سبيل إيقاع الأذى والضرر بالآخرين، ومن الضروري، والمنطق أن تكون الإجراءات المضادة على نفس مستوى ذلك الاستنباط والسعي لإحباطه بنفس الوسائل والآليات التي يستخدمها الإرهابيون، حتى لو بدا ذلك انتهاكاً للخصوصيات. ومن الطبيعي جداً، أنه مع تطور آليات الإرهاب، لا بد أن يقابل ذلك تطور مماثل في آليات الردع المضاد. وهذا هو بالضبط ما تقوم به الولايات المتحدة الغربية، والدول الغربية في مطاراتها وموانئها الجوية.

نعتقد جازمين بأن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية والغربية الأخرى التي ستلجأ لإجراءات قد تبدو غريبة بعض الشيء، ومنها البحث الاطلاع على أماكن غاية في الحساسية من جسد المسافرين والمسافرات ولاسيما صاحبات العفة والشرف من المتحجبات والمنقبات، ما كانوا ليلجؤوا لتلك الإجراءات، غير المستحبة في واقع الأمر، لولا ذهاب الإرهابيين أبعد من المتوقع، والمتخيل، في محاولاتهم لارتكاب عملياتهم الإرهابية مدفوعين برغبة محمومة للقتل وسفك الدماء، وأيا تكون الضحية، فما علينا سوى إدانتها حتى لو كان وزير داخلية، أو مساعده، ومن وزراء تلك الدول التي رعت وصدرت الإرهاب.

لكن يبدو هذا كله، وأياً تكن وجهة هذا الإرهاب الأعمى، جزاء ونتيجة حتمية لما اقترفته أيادي هؤلاء الذين روّجوا للتحريض والكراهية والعنف على مدى عقود وسنوات، وها هم اليوم أولى ضحاياه والنار الإرهابية تلتهمهم مع غيرهم على حد سواء وهم الذين اعتقدوا أنهم كانوا بمنأى عنها على الدوام؟ فهل من دروس، وهل من عظة، وعبرة، للجميع بأن هذه النار ستلتهم كل من يأتي بطريقها، ولن تستثني ، حتى، من أوقدها بالذات؟

رحم الله المثل الشعبي القائل" أولاد الحرام ما خلوش حاجة لأولاد الحلال"، كناية عما يلحقه الخارجون عن القانون من أذى وضرر يصيب أبرياء، ويزر الناس بموجبها وازرة وزر أخرى، بحيث يذهب الصالح بالطالح، ويروح هذا بجريرة ذاك. واليوم يمكن القول، والاستنتاج، وعلى نفس الطريقة والسياق، وبمنطق الاستدلال، بأن "أولاد الإرهاب ما خلوش حاجة لأولاد اللا عنف والسلام". ولكن، من يضمن ألا يقوم بعض الخبثاء من الحراس الأمنيين، أو بعض الجهات الأمنية، من تصوير تلك "العورات" الخاصة لمشاهير وأثرياء وشهيرين وشهيرات ولأصحاب السمو والسعادة من فئة "طويل العمر"، ومن في حكمهم والمقايضة عليها أموالاً ومواقف وابتزاز، أو أن تحتفظ أجهزة الاستخبارات الغربية بتلك التسجيلات، ومن ثم تقوم بتسريبها "بشكل ما" لوسائل الإعلام لتصفية حساب مع هذا أو ذاك، أو لمجرد التسلية والفرفشة، وتمضية الأوقات، وحرف أنظار الناس، بين فينة وأخرى، وكما يحدث دائماً، عن بعض القضايا والأحداث؟

نعم لقد ذهب العلماني والمنفتح والتنويري العربي والمسلم، بجريرة الإرهابي والقاتل العربي والمسلم وتساوى الاثنان أمام جهاز كشف العورات" أعزكم الله العزيز القهار". ذلك الجهاز الأصم الذي لن يفرق لا بين عورة إرهابي، ولا عورة علماني، ولا سافرة، والعياذ بالله، ولا منقبة، ولا بين دبلوماسي رفيع المستوى، أو صعلوك متشرد، وعلى باب الله، أو بين ثري عربي، وجائع عربي، فكلهم سيقفون جميعاً عراة، وربي كما خلقتني أمام "جهاز الحساب"، وكشف العورات، كي يعلم الذين ودعموا وصدروا الإرهاب أي منقلب انقلبوه، وأول الغيث جهاز لكشف العورات، و"يا ما في الجراب يا حاوي"، فقط ما عليكم سوى التحلي بفضيلة الصبر.

وانكشفت عورات الجميع، وكل الحمد والشكر لآفة الإرهاب ولرعاته من أنظمة الخراب.



New Windows 7: Find the right PC for you. Learn more.