نحو إلغاء المهور

لا أنوي في هذا المقال الاستفاضة والإسهاب كما هي عادتي، فالموضوع واضح ولا يحتاج إلى كثير عناء لدحض فكرة المهر التي تعتبر إحدى أدوات إذلال المرأة وامتهانها بسند وتأييد ديني، يحاول تزييف واقع الصورة المؤلمة. ثمة مقولة شعبية قديمة تقول: [إذا أردتَ أن يراك الآخرون جميلاً، فكل ما عليك فعله هو أن تكون جميلاً] أم أن تكون الصورة قبيحة وتطلب من الآخرين أن يروها جميلة فهذا هو المضحك في الأمر. وأنا أستغرب كيف لا يرى المسلمون دلائل امتهان الإسلام للمرأة رغم أنها واضحة وساطعة ولا جدال فيها؟ ثم يأتون بكل جرأة ليقولوا: [إن الإسلام أعطى المرأة حقوقها وصان كرامتها] عن أيّة حقوق يتكلّم هؤلاء وأي كرامة يقصدون؟ هل هي تلك الحقوق التي يعتبرونها منحة ذكورية يتفضلون بها على النساء؟ أم هي الكرامة التي لا تعبّر إلا عن أمراضهم النفسية أو تلك التي تنبع في أساسها من معيار ذكوري صرف؟ لماذا يحرص المسلمون على تغطية جسد المرأة؟ ولماذا يُعتبر فقه النساء من أكبر أبواب الفقه أكثر من أيّ شأن ديني آخر؟ هل هذا مؤشر لخوف الرجال من المرأة؟ هل فعلاً نخاف من نجاح المرأة وظهورها في المجتمع، لأننا نعرف أن المرأة إذا امتلكت الحرية فإنها بعملها وثقافتها سوف تقضي على خرافة التفوق الذكوري؟ هنالك أسئلة كثيرة ولكنني سوف أترك الإجابة عليها الآن وربما أدعها لمقال آخر، ولكنني في هذا المقال أنوي طرح موضوع [المهور] في عقود الزواج أو [الأنكحة] كما يُسميه فقهاء الإسلام، ودلائل هذا المهر وارتباطه الأصيل بمفهوم دونية المرأة واعتبارها متاعاً كبقية الأمتعة الأخرى التي يُمكن تبادلها عن طريق البيع والشراء. إن المسألة من الوضوح بمكانة بحيث أستسخف شرحه في هذا المقام، ولكنني سأفعل.

الفكرة الأساسية في عملية البيع والشراء هي تبادل المصلحة بالمقايضة، بمعنى أن تكون لزيد حاجة لأمر ما لا تتوفر إلا عند عمرو، فهي ملك لعمرو ويتم التنازل عن ملكية هذه الحاجة من عمرو لمصلحة زيد بمقابل مادي وقد يكون هذا المقال نقداً [Cash] أو عيناً أي حاجة يحتاجها عمرو وهي ملك لزيد، فيتم الاتفاق بين زيد وعمرو على أن يتنازل كل منهما عمّا يملكه للآخر فتكون السلعة في هذه الحالة: سلعة وعين في ذات الوقت. وعمليات البيع والشراء هي من العمليات التجارية القديمة قدم الإنسان نفسه، في عهود ما بعد الإقطاعية الكلاسيكية ولم يكن يعرف لها وجود فيما قبل ذلك، لاسيما في العصور المشاعية التي لم يكن فيها التملّك أساساً في عمليات التبادل، فلم تكن في تلك العهود ما يُسمى بالملكية الفردية على الإطلاق، فكل شيء هو ملك لكل أفراد القبيلة. ماذا إذن عن المرأة؟

المرأة في المجتمعات الذكورية لا تعدو كونها سلعة يتم تبادلها بين بعض الأفراد بمقابل مادي، وفي أحيان أخرى يتم مقايضتها بعين [امرأة] أخرى وهذا أمر يطول الكلام عنه، ولكن ما يهمني تناوله في هذا المقال هو التنازل عن المرأة مقابل نقد لمصلحة طرف آخر يحتاج إليها؛ وهي عملية بيع وشراء لا جدال فيها؛ إذ تتوفر كافة عناصر عملية البيع والشراء:
• الطرف المالك [المتنازل لاحقاً]
• الطرف الراغب [المتنازل له لاحقاً]
• السلعة [المرأة]
• القيمة النقدية [المهر]

وبطبيعة الحال فإن قيمة السلعة خاضع لأمور كثيرة جداً، منها مبدأ العرض والطلب، فسعر الفتاة المتعلمة ليس كسعر الفتاة الأمية أو الأقل تعليماً، وسعر الفتاة الجميلة ليس كسعر الفتاة الأقل جمالاً، وسعر الفتاة البكر كسعر الفتاة الثيّب [الأرملة أو المطلقة] وهو في ذلك يُشبه إلى حدّ كبير [حدّ التطابق] اختلاف سعر السلعة الجديدة عن سعر السلعة المستخدمة.

فالمهر إذن يُمكن تعريفه على هذا النحو: [مال يدفع للمرأة مقابل الحصول على جسدها] هذا التعريف قد يعتبره البعض مبالغاً، ولكنه واقعي للغاية، فسواء ارتضنا تصوير الأمر على هذا النحو أو لم نرتضيه فالأمر لا يخرج عن هذا الإطار، وفي التشريع الإسلامي نجد أنه يؤكد على ضرورة دفع المهر للزوجة مقابل الحصول عليها فنقرأ (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء:4]

وقد احتج عدد من الفقهاء بأن المهر لا يُعد بيعاً ولا شراءً وإنما هو من باب إكرام المرأة وتقديرها، واعتمدوا في ذلك على ضرورة القبول والرضا من طرف الزوجة، وهو كلام لا قيمة له، فهي محاولة لتدليس الأمر وإظهاره بغير هيئته، فمن الواضح أن القبول والرضا ركن أساسي في عمليات البيع والشراء كذلك، وأقول إنه إذا الأصل هو قبول المرأة بالزواج والارتباط برجل ما، فما هي قيمة المهر مع هذا القبول؟ أعلم أنني قد أدفع مالاً مقابل الحصول على شيء لا يُمكنني الحصول عليه بمجرّد القبول والرضا، فيكون المال هنا أداة تأثير يُظهر فيها المشتري تنازله عن جزء مما يملك لقاء أن يحصل على شيء يملكه الغير، وعلى ذلك فإن المهر قد يُعتبر رشوة كذلك؛ لاسيما إذا لم يكن بموافقة وقبول الفتاة.

كما أننا نلاحظ التعبير القرآني لوصف المهر بأنه [صدقة] مفروضة وقد جاء في تفسير الطبري لهذه الآية [وَأَعْطُوا النِّسَاء مُهُورهنَّ عَطِيَّة وَاجِبَة , وَفَرِيضَة لَازِمَة] فهي إذن أُعطية غير أنها واجبة ومفروضة، ولا يجوز بإجماع علماء المسلمين أن ينكح الرجل امرأة دون أن يدفع لها أُعطية أو مهر، وعليه فإن المال المدفوع هو مقابل الحصول على جسد المرأة ونكحها؛ ولذا فإننا نجد أن الإسلام يرى أن استمتاع الرجل بزوجته حق لا يجب منعه منه، ولذلك فإن نشوز المرأة وامتناعها عن فراش الزوجية يُعتبر جريمة يجب أن تُعاقب عليه، لأنه رفض لتأدية الحق الذي أخذت عليه المرأة مالاً في مقابله.

ومن هنا يأتي القول بأن المهور ما هي إلا وسيلة من الوسائل الذكورية الكثيرة لامتهان المرأة واعتبارها متاع أو سلعة يتم تبادلها أو التنازل عنها من ولي إلى ولي آخر، وفي هذا المقال فإن القول بحق المرأة في المهر والتشديد على تحريم أخذ جزء من المهر سواء للولي المتنازل أو الولي المتنازل له فهو مجرّد كلام إنشائي لا قيمة له، فما بُني على باطل فهو باطل في أصله وفي فرعه، والأمر هنا أشبه بأن تعرض شخصاً للبيع ثم تأتي وتتكلّم لاحقاً عن حق العبد المملوك في المال الذي أُشتري به!

ولهذا فإننا نجد الفهم الذكوري المستشري في اعتبار أن الزوجة هي [مِلك] لزوجها، كيف لا وهو قد دفع مقابل ذلك، ومن هنا فإننا نرى ضرورة إلغاء المهور؛ إذ أن العلاقات الإنسانية لا يُمكن أن تتم بدفع قيمة نقدية من أجله، ويكفي لإتمام الزواج أن يكون الأمر بقبول ورضا الطرفين قبولاً ورضا تاماً مُعلناً، وكفانا امتهاناً لكرامة المرأة باسم الله وباسم الأديان، ودعونا لا نزيّف الحقائق ونشوهها، وندعي أننا نحافظ على كرامة المرأة في الوقت الذي نمعن فيه بامتهانها في كل تصرّف وسلوك، حتى وإن بدا سلوكاً أخلاقياً مقبولاً، فالحقوق لا تسقط بالتقادم وعلى المرأة أن تطالب بإسقاط هذا القيد الذي يُكرس لعبوديتها من حيث لا تدري. أقول للنساء: يجب عليكن أن تثرن على هذا الأمر، وألا ترضين بأن تكنّ سلعة تباع وتشترى في سواق الزواج باسم الدين وباسم العادات، وسواء أكان المهر قليلاً أم كثيراً فهو لا يعدو كونه بيعاً وشراءً لا شبهة فيه.

هشام آدم
hisham.adam@gmail.com



Windows 7: Watch live TV, right from your laptop. Learn more.