لماذا لا يقاطع القرضاوي، فعلاً، المسيحيين؟

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com


دعا فضيلة الشيخ الجليل يوسف القرضاوي المسلمين إلى مقاطعة الاحتفالات بأعياد الميلاد المجيد، وحرّم تقديم التهاني والتبريكات لهم بهذا العيد، ومنع الاتجار بشجرة الميلاد وطقوسها في البلاد الإسلامية، وكل ما يتعلق بها، وهذا شيء جميل، ويستحق أن ينفذه المسلمون فوراً، فهؤلاء النصاري يشكلون خطراً فعلياً على الجنس البشري، وهناك ضرورة ملحة لمقاطعتهم، ولكن لا ندري لماذا لم يعمم الشيخ الجليل فتواه هذه، لتشمل كل ما يتعلق بالنصارى، وحصرها بعيد الميلاد وتداعياته فقط؟ ولماذا لا يبدأ الشيخ الجليل بنفسه، ويقاطع ليس فقط شجرة الميلاد "النصرانية"، والعياذ بالله، ولكن كل ما ينتجه المشركون والكفار وأعداء الله في الغرب والصين وبلاد الهندوس، والبوذيين والسيخ والماو ماو؟

فهؤلاء النصارى، والمشركين والملاحدة والعلمانيين من "أعداء" الله ورسوله، هم الذين ابتكروا كل هذه التكنولوجيا الحديثة الباهرة التي يتمتع ويعيش بنعيمها الشيخ الجليل، وشيوخ الصحوة البترولية، ويطلقون من خلالها أدعيتهم على المشركين والكفار. فهؤلاء هم الذين اخترعوا الشبكة العنكبوتية، والذي طورها وأوصلها إلى ما هي عليه هو "عدو الله" اليهودي بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت للبرمجيات وأغنى رجل في العالم اليوم رغم أنه لم يسرق ولا فلساً واحداً من بيت مال المسلمين كما يفعل أصحابنا البدو العربان بثرواتهم الوطنية التي صارت ملكاً خاصاً وشخصياً لهم مع محظييهم ومحظياتهم وحاشيتهم وأزلامهم وعسسهم، هذه التكنولوجيا الباهرة والمعجزة البشرية الراقية التي أتاحت للشيخ الجليل أن يقيم موقعه المعروف باسم "إسلام أون لاين" على الشبكة العنكبوتية ليكفـّر ويدعو على بيل غيتس والغربيين بالموت والهلاك ويطلق الفتاوى ضدهم بلا حسيب أورقيب، فلماذا لا يزيل موقعه فوراً عن منتج غربي، كما يطلب إزالة شجرة الميلاد من أمام ناظري المسلمين، وأيهما أولى بالمقاطعة، شجرة ميلاد لا تقدم ولا تؤخر، أم هذه الشبكة التي جعلت العالم خلية واحدة تتلاقح فيها الأفكار والناس ويتم تبادل المعلومات فيها بكل انسياب، فيما تنحصر مهمة الشيخ فيها على تكفير والدعوة لمقاطعة مخترعيها وازدرائهم وعدم تقديم أي نوع من التهاني لهم وإيغال صدور أتباعه وحشوها بالحقد والكراهية ضد هؤلاء الناس؟ وهم الذين يديرون هذا النظام المصرفي الدولي الإليكتروني المتداخل المعقد والدقيق، والذي يحسب الفوائد بالسنت لأموال دعاة البزنس الديني وتجار الفتاوى الذين يودعونها في الغرب الصليبي، والذين باتوا ينافسون أغنى الأغنياء، ويكنزون أموالهم في هذه البنوك التي هي اختراع نصراني أهم بكثير وأعقد من شجرة ميلاد. ألا ينبغي والحال، ورداً للجميل وللخدمات الجليلة التي قدمها هؤلاء الصليبيين واليهود الذين يعرفون باسم "حفدة القردة والخنازير"، في خطاب الشيخ، أن يقوم الشيخ بتوجيه شكر خاص على عظيم خدماتهم الجليلة للبشرية، وأن يدعو أتباعه ومريديه لتحيتهم في كل مكان وشارع وركن يرون فيه "نصرانياً"، ويشكروه على خدماته الإنسانية الرائعة والعظيمة للبشرية، وفي كل وقت وليس في عيد الميلاد المجيد؟

ولولا هؤلاء النصاري، وتحديداً، الأخوان رايت" اللذان كانا وراء اختراع الطائرة، والتي أتاحت للشيخ الجليل الهرب والفرار قاطعاً آلاف الأميال عبر الصحراء العربية، مع عائلته وأطفاله إلى حيث يقيم اليوم للنجاة بنفسه من جحيم وأهوال وويلات واستبداد أخوته في العروبة والإسلام، من مثل الزعيم التاريخي للأمة العربية البكباشي جمال عبد الناصر، وزملائه، وحين كان الشيخ عضواً في الجماعة الدينية الفاشية المعروفة باسم الإخوان المسلمين، ولولا ذلك الاختراع الرائد العظيم لربما غرق شيخنا الجليل في البحر الأحمر، وقناة السويس، أو ابتلعته رمال الصحراء في سيناء أو الربع الخالي قبل أن يصل إلى مأواه الحالي حيث يحرّض الناس ضد المسيحيين، ولكان خسر العالم الإسلامي علوم الشيخ، لكنه يستكثر على المسيحيين، اليوم، مجرد تهنئة بعيد ميلاد رسول ونبي من أنبياء الله جاء ذكره في كتاب الله القرآن الكريم.

ولولا التلفاز، والفضائيات والأقمار الصناعية، لما أمكن للشيخ، وأمثاله، من الوصول لعشرات الملايين، في أربع أطراف الأرض، من خلال برنامجه الدعوي الصحوي الشريعة والحياة، ليحرضهم على من اخترعوا كل هذه الإعجاز العلمي العبقري الذي لم يستطع لا سلفنا الصالح، ولا اللاحق، والحمد لله، أن يتوصل إلى جزء ضئيل منه( أرجو لا يخطر على بالكم هنا الفذ العبقري الآخر زغلول النجار)، ولكن كان جزاء هؤلاء النصارى هو الإجحاف وإنكار الجميل، والدعوة لعدم السلام عليهم، أو زيارتهم ومشاركتهم أعيادهم الدينية.

ولولا الخدمات الجليلة لعلماء الغرب من النصارى، واختراعاتهم للقاحات والأمصال، لمات ملايين من الناس بالأوبئة الفتاكة التي كانت تجتاح العالم من وقت لآخر كالطاعون والكوليرا والجدري والسل والهواء الأصفر والأسود والأزرق و"المنيّل" بستين ألف "نيلة"، كما يقول المثل الطبي؟ ولولا...ولولا....ولولا....

ولعلم الشيخ الجليل، فإن إخوتنا في الإسلام، من التجار المسلمين، في جميع بلدان العالم يتاجرون بمنتجات الكفار والصليبيين، وليس فقط بشجرة الميلاد ويعلنوها في محلاتهم التجارية، ولا يكتفون بذلك بل يدفعون، وتصوروا، مبالغ خيالية وطائلة للإعلان عنها في وسائل الإعلام، ويروجون لها، ليل نهار لتسويقها في عالمنا الإسلامي، كما ويميل الميزان التجاري في معظم منظومتنا الإسلامية، لصالح الواردات من الدول النصرانية والكافرة والعياذ بالله. ونحن المسلمون نستهلك ونشتري ونقتني، ليس شجرة الميلاد، وحسب، بل كل ما يتعلق بحياتنا اليومية والمعيشية، حتى سجادات الصلاة التي نصلي ونؤدي الفرائض الخمس عليها مستوردة من الصين البوذية، كما احتياجاتنا من الإبرة للطائرة، ونتوسل المسيحيين والموظفين الدبلوماسيين في السفارات الكافرة لمجرد الكلام معنا، والنظر إلينا واستلام معاملات الفرار والهروب بجلودنا، كما فعل الشيخ الجليل ذات يوم ونجا بنفسه، من جحيم أنظمة الأعاريب، وهؤلاء الموظفون يعاملون المسلمين بالحسنى والكلام الجميل، وييسرون معاملاتهم ويمنحونهم التأشيرات ويسهلون لهم الإقامة ويعطونهم، وتصوروا، جنسياتهم التي ترفع الرأس فعلاً، وتحصّن الإنسان من غوائل الفاقة والظلم والتمييز العنصري فهل الشيخ جاد في مقاطعتهم أم تراه يمزح؟ وما هو السبب في تحريم شجرة الميلاد، وطلب عدم تهنئتهم ورد بعض من جميلهم، وهل وقفت القصة عندها؟ فهل تجب مقاطعة هؤلاء أم غيرهم من يجب أن يقاطع ويجب ألا يسلـّم عليه أحد في العالم كله أو يتعامل معه؟ وإذا كانت نهضتنا وكرامتنا وعزتنا تتعلق فقط بمقاطعة هذه الشجرة وعدم الاتجار بها فأنا مع دعوة الشيخ الجليل قلباً وقالباً؟ وإذا استطاع الشيخ الجليل مقاطعة شجرة الميلاد وأفلح في إزالتها من المحال التجارية وحياتنا بشكل عام، فهل يستطيع أن يمنع من حياتنا، كل منتج ورمز صليبي، من الماكدونالد، مروراً بالنوكيا ووصولاً للبوينغ، على سبيل المثال لا الحصرً، وهي تعود بفوائد وعوائد خرافية على هؤلاء "الصليبيين"، وأكثر بكثير من مجرد شجرة ميلاد؟ وهل بمقاطعة الميلاد والشجرة والمسيحيين تحل كل مشاكل وأزمات المسلمين؟ لماذا لا يقاطع القرضاوي ويتجاهل، فعلاً، لا قولاً، المسيحيين، وكل ما يتعلق بالمسيحيين، ويوقف كافة أشكال التعامل معهم، وهل يستطيع؟هل من مجيب؟



New Windows 7: Find the right PC for you. Learn more.