لماذا لم يكن العرب متحضرين قبل غزو الجوار؟

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

كان العرب يعيشون فيما يسمى بالجزيرة العربية حياة تقشف وشظف وضنك، في بيوت من الطين وعشش من القش والنخيل، في أحسن الأحوال، أو في بيوت من شعر الماعز وهي المادة الخام التي كانت موجودة وقتذاك، وخيم في الصحراء، ومن النادر جداً أن تعثر في شبه الجزيرة العربية هذه حتى اليوم، على أثر معماري فذ وحضاري، وأوابد تاريخية خالدة، كإهرامات مصر، ، مثلاً، والآثار البابلية كحدائق بابل المعلقة، والسومرية والآشورية، والمسارح الرومانية، ومنارة الإسكندرية، وتمثال رودوس، وزيوس، ومبنى الأكروبوليس، ومدينة تدمر العريقة في البادية السورية، وسور الصين العظيم، أو حتى كنيسة يوحنا المعمدان في دمشق والتي تحولت إلى ما يعرف اليوم بالجامع الأموي، كلها أوابد تدل على شعوب عريقة وحضارات رفيعة تركت الأثر المعماري الفني الطيب، كما الأخلاقي والإنساني، وراءها لتدل بها على عظمة وذوق أولئك البشر وطبيعة اهتماماتهم ومستوى تفكيرهم الراقي الذي تجاوز بالطبع الحيض والنفاس ووطء الصغيرات وإرضاع الكبير وفوائد و"فضائل" بول البعير، حيث أنه لم يكن لدى عرب الجزيرة وقتذاك أي إلمام بالفن المعماري، ولا بفنون النحت والرسم والموسيقى...إلخ، والقناطر الرومانية التي تزين ما يسمى بالعمارة الإسلامية هي من أصل روماني وإغريقيوإلى اليوم فإن من بنى وعمـّر مشيخات الخليج الفارسي وحتى مساجده وأبراجه هم العمال الآسيويون غير المسلمين وبخبرات وعلوم هندسية غربية صرفة، فكل ما كان يعرفه العرب في الصحراء هو بيوت الشعر والخيام وأصنام التمر التي كانوا يلتهمونها حين المجاعة كما عبر الشاعر عن ذلك بقوله:

أكلت جهينة ربـّها زمن التقحم والمجاعة، وفي رواية أخرى التقحط.

ولم تعرف جزيرة العرب أي تنظيم وأنماط ورموز حضارية وتنظيمية وإدارية كما كان موجوداً في حضارات مجاورة، أيضاً، كقصور وإيوان كسرى التي وردت كثيراً في الأدبيات العربية، فقد استغرب، مثلاً، رسول كسرى كثيراً حين رأى الخليفة عمر بن الخطاب، رضوان الله تبارك وتعالى عليه، نائماً تحت شجرة، لأن القصور، بالطبع، وتنظيم الجنود والثكنات العسكرية، والقلاع، والمقرات والسراي الحكومية، والهرمية السلطوية والإدارية باعتبارها شكلاً تنظيمياً راقياً يقطع مع الشكل الرعوي والأبوي السائد وقتذاك في الجيرة ولا ينتمي إليه، فكل ذاك لم يكن معروفاً ومتداولاً في الصحراء، وقتذاك، وليس لأي سبب أسطوري آخر كما يحاول أن يوهم ويدلل الصحويون بهذا على تواضع خلفاء الإسلام وعظمتهم وعظمة مجتمعهم، فلا يمكن قياس المستوى الحضاري المتقدم للحضارات المجاورة حبنذاك بالمجتمع الرعوي الأبوي القبلي في الجزيرة، نعم لقد هال صاحب كسرى المنظر جداً، وعلى نحو سلبي، وليس إيجابي كما يحاول البعض الإيهام، وهو القادم من بلاد ذات حضارة وبنيان عظيم، فقيلت لذلك تلك القصيدة الشهيرة التي يرد فيها:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمراُ بين الرعية عطلاً وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها سورا من الجند والحراس يحميها
فقال أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت فيهم قرير العين هانيها

والصحويون والدعويون وأصحاب الخطاب الديني، يرون هذا دليلاً على تواضع وعظمة خلفاء الإسلام التي لا نقول فيها شيئاً، ولكننا نرى ذلك من منظور آخر، أيضاً، وبالتأكيد، وهو برهان ودليل على وجود تلك الهوة والفارق الحضاري الكبير بين الجانبين ليس إلاّ، وأن العرب لم يكونوا في جزيرتهم راهنذاك على نفس ذلك المستوى التنظيمي الدقيق الذي كانت عليه الحضارة الفارسية. أما أمر تدمير تلك الحضارة الفارسية والسيطرة عليها وغزوها عسكرياً مع غيرها، من قبل الغزاة العرب فهو قضية أخرى، وشأن مختلف، تماماً، فانتصارهم لا يعني بالضرورة أن القضية عادلة أو مقدسة، كما هو الحال، اليوم، بالنسبة لانتصار أمريكا وإسرائيل فهل هذا الانتصار والإنجاز العسكري يحمل أية مضامين أخرى؟ فالعالم عرف شعوباً كثيرة لم تكن بذاك المستوى الحضاري الرفيع غزت شعوباً حضارية أخرى ودمرتها عن بكرة أبيها، والأمر، بالتأكيد، ليس له أي بعد أسطوري ولا يمكن ربطه بمقدس، على الإطلاق. فانتصار البرابرة الصهاينة اليوم في فلسطين، وسيطرتهم على هذه البلاد وإذلال شعوبها، وارتكاب المجازر بحقهم، ليس دليلاً على أي بعد أسطوري، ولا يحمل أي بعد غيبي أو مقدس حتى ولو كان الحاخامات يقولون، ويعتقدون بغير ذلك، ونفس الأمر ينطبق على البرابرة الغزاة الأطلسيين في العراق، وأفغانستان وفييتنام وبنما وغيرها، فالأمر، كما نرى، ليس له أي طابع قدسي، حتى ولو قال لنا جورج بوش بأن الله قد كلفه بـ"فتح" العراق، وغزوها. كما ودمر البرابرة والقتلة الأمريكان في العصر الحديث مدينتي هيروشيما وناغازاكي وأبادوهما عن بكرة أمهما، أبيهما، فمن هو البربري هنا الضحية أم الجلاد؟وهل اكتساح الجيش الأحمر لأوروبا الشرقية و"فتحه" لبرلين وتدمير الإمبراطورية الآرية يحمل أية دلالات ومضامين أسطورية وغربية وعقيدته الإيديولوجية قائمة على الإلحاد وإنكار وجود الله؟ وما علاقة هذا بذاك؟ وهل هناك ثمة منطق في الربط بينهما؟

ولو كان لسيدنا عمر، رضوان الله تبارك وتعالى عليه، قصر لما نام، بالطبع، تحت "الدوح مشتملا ببردة كاد طول العهد يبليها" كما قال حافظ ابراهيم في قصيدته الشهيرة. لأنه، وحين قيض الله للمسلمين أن يترفهوا في دمشق إحدى حواضر العالم الشهيرة فما قصروا بذلك، وكما فعل خليفتنا الأعظم معاوية ابن أبي سفيان رضوان الله تبارك وتعالى عليه الذي اشتهر بالبذخ والإسراف وحياة الترف حتى قال البعض أنه يحب أن يأكل على مائدة معاوية الأدسم، ويصلى وراء صلاة علي الأطيب . إن استغلال واستثمار المعارف والخبرات التي كانت موجودة للتو والتي شقي صانعوها في إبداعها، كما أن استخدام تلك المعارف والخبرات وإعادة توظيفها لا يعني أن هؤلاء الناس قد أصبحوا حضاريين، أو لمجرد أن أطلقوا على ذلك كله اسم العربي والإسلامي؟ فلا ندري، في الحقيقة، كيف لبدو محاصرين تاريخياً في صحرائهم ولم يكن لديهم حضارة، ولا خبرات معمارية أن ينقلوا ذلك للغير بين ليلة وضحاها، ويحق لنا أن نتساءل من أين هبطت عليهم تلك الحضارة فجأة، ولماذا لم يستثمروا إمكانياتهم الحضارية الفذة والنادرة والهائلة في إعمار بيدائهم وذهبوا بها إلى الأندلس والشام وفارس فيما بقيت صحراؤهم، ولقرون مديدة، "قفراء نفراء" وخاوية على عروشها تصفر فيها الرياح إلى أن أتي البريطانيون والأمريكان والبهود والبوذيون والهندوس واكتشفوا لهم البترول وبنوا ملح المدن كما نراها اليوم؟ أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ ولماذا لم يعرفوا ويعمّروا القصور وينشؤوا الدواوين وينظموا شؤون الدولة في صحرائهم قبل التكرم والجود بها على الغير؟ وحتى المآذن التي عملوا عليها "هيصة" من فترة قريبة هي فن معماري موجود للتو، ولم يعرفه العرب والمسلمون إلا في العام 52 هجري حين شيدت أول مئذنة هي عيسى في الجامع الأموي بدمشق أي أنها ليست من الجزيرة العربية كما هو مفترض ومطلو ، وتم الأمر فقط بعد الخروج من جزيرة العرب والاطلاع على مختلف الفنون المعمارية التي كانت سائدة في العالم. والجواب بكل بساطة لأنهم نسبوا كل ذلك لأنفسهم ومن غير وجه حق. ثم يدللون بالسطو على هذه الخبرات، ومعارف الشعوب كونها منجزات حضارية كانوا يتمتعون بها في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة بالجهل والعتم. هكذا. مع العلم بأن الأسماء الكبيرة التي صنعت ما يسمى بالحضارة العربية لم تكن وبكل أسف من أصول عربية والأسماء أكثر من أنن تعد وتحصى، وكما يفعلون اليوم عبر ما يسمى بعملية أسلمة الحداثة، فيكفي، مثلاً، وبكل بساطة أن يطلقوا على بنك اسم البنك "كذا الإسلامي" حتى يصبح البنك إسلاميا، أو الجامعة، والطائرة، والدراجة و"الكبريتة" والنكاشة والولاعة الإسلامية، حتى أصبحوا هم صانعوها ومنشؤوها وواضعو أسسها وقوانينها وتشريعاته ونظمه ونواته العلمية، نعم هذا هو المنطق الذي يحاولون تسويقه.

إن السطو على خبرات ومعارف وعلوم الغير ونسبتها للنفس، والمباهاة بذلك، ليس حضارة، أو فعلاً حضارياً، وأخلاقياً، وعلى أي وجه، كان.



Hotmail: Free, trusted and rich email service. Get it now.